Saturday 26 October 2013

ما الفلسفة؟





في محاولة للجواب على سؤال: ما هي الفلسفة؟

كتب هيغل مرة: " دائما، كل ما هو غير مفهوم لم يعد كذلك"



هكذا بدأت لحضة الفلسفة... عندما اخذ الانسان يتسائل ليكتشف ما هو مجهول اوما هو غير مفهوم وليصل الى جواب مناسب.

فمنذ ان بدأ وعي الانسان النقدي، بدأت أزمة المعرفة، ومعها بدأ التفكير بالمفاهيم والمقولات المبهمة. ان محاولات الانسان لمعرفة الكون والوجود وسبر اغوارهما والكشف عن اسرارهما اثارت دهشته، ومع الدهشة بدأ القلق، ومع القلق بدأت الخيبة، ومع الخيبة بدأ التساؤل ومع التساؤل بدأ التفكير الفلسفي، الذي كان أول محركات الوعي والوعي النقدي على وجه الخصوص. ومع الوعي النقدي بدأت أزمة الوجود، وكل الفلسفات تبدأ بدهشة وأزمة وتساؤل.!




ما الفلسفة؟ أكثر الناس لا يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال، لأنه سؤال مجرّد جدا، وجدالي أيضا.




والفلاسفة أنفسهم لا يستطيعون الاتفاق على أيّ من التعريفات المقترحة. صحيح أن كلمة فلسفة تعني في أصل اشتقاقها اليوناني حبّ الحكمة ، لكن ماذا يعني حب الحكمة؟ لقد كان هناك تاريخ طويل ومجيد لأناس استحقوا صفة فيلسوف ، لكنّهم كانوا يتحدّثون في كلّ أنواع المواضيع بكلّ أنواع الطرق، وليس واضحا ما الذي يشتركون فيه حيث تجمعهم كلمة فيلسوف.





تعريف الفلسفة فهى العلم الكلى الذي يهتم بدراسة الكون والطبيعة وغايتها النهائية كشف الحقيقة لذاتها وبذلك فالفلسفة هى أم العلوم لانها تهتم بدراسة الموجودات ككل.


كما أن الفلسفة تعنى أنها وجهة نظر أو رؤية فكرية شاملة ازاء الكون والانسان
كما أن الفلسفة هى علم المبادئ الأولى لظواهر الوجود لان الفيلسوف لا يهتم بالوصول للعلل القريبة ولكنه يسعى لمعرفة العلل البعيدة والغير مباشرة .
فمثلا الفيلسوف لا يهتم بالسبب المباشر لنمو النبات وهو الهواء والماء كما يفعل عالم النبات ولكنه يبحث فيما هو أبعد وهو سبب نمو كل النباتات الحية.



فالفلسفة اذن هي البحث المتواصل الذي لا ينتهي ولا يكل عن التساؤل عن اسرار الوجود الذي حركه وعي الانسان النقدي الذي نَور العقل وشحذ الفكر ودفعه لمزيد من التساؤل والنقد للوصول الى الحقيقة وحل الغاز الوجود واسرار الحياة.


والتنوير اصل الفلسفة، وجوهر التنوير هو الحرية والتحرر من أية وصاية، كما يقول كانت، أي خروج الانسان من قصوره الذهني الذي اقترفه بحق نفسه وتجاوز ذلك الى فهم الوجود وتفسيره واعطاءه معنى اخلاقيا، بمعنى تفكيك وتفسير وتحليل ونقد امكانات الانسان وقدراته. واذا كان الوعي النقدي ضروري لتكوين الفكر الفلسفي، فان الفكر الفلسفي ضروري لتكوين العقل النقدي، الذي يشحذ الفكر وينمي قدراته وطاقاته المعرفية فيجد ويجتهد في النظر الى الوجود بتفكير سببي وليس غيبي.




فهدف الفلسفة لا يجوز أن يكون أقل من تكوين نظرة شاملة ومنظّمة للعالم؛. ذلك أن الحقول المعرفية الأخرى تدرس أنواعا معيّنة من الأشياء. أما الفلسفة فتتساءل عما يجمع تلك الحقول معاً. إذا أردت- على سبيل المثال- أن تتعرف شيئا عن الأجسام فادرس مساقا في الفيزياء أو في علم الأحياء، وإذا كنت تريد أن تعرف ما العقل فادرس مساقا في علم النفس. لكن إذا كنت تريد معرفة العلاقة بين العقل والجسم، أو كيف يرتبط علم الفيزياء بعلم النفس، فطريقك إلى تحقيق ذلك هي الفلسفة (أو فلسفة العقل بالنسبة لهذين السؤالين تحديدا). والأمر نفسه ينطبق على الاقتصاد وعلم السياسة، وهناك طبعا مساقات أخرى كالموسيقى والفنّ تدرس قيما مختلفة (الرفاهية، والعدالة، والجمال). وهنا يتساءل الفلاسفة عما يجمع هذه القيم و عما يفرقها، وأين تتموضع هذه القيم في العالم الطبيعي الفيزيائي. ويحاول المؤرخون اكتشاف معرفة الماضي، فيما يسعى الفلكيون إلى اكتشاف معرفة النجوم والكواكب، لكن وحدهم الفلاسفة يسألون ما الذي يجعل أو يحول هذه الاعتقادات إلى معرفة، وهل بمقدورنا حتى أن نتوصل إلى المعرفة من حيث هي، وكيف؟



مثل هذه الأسئلة الفلسفية مجرّدة جدا، لكن بفضل هذا التجريد تغدو الفلسفة شاملة العديد من الحقول المختلفة في الوقت نفسه.






ومنذ سقراط وضع الفلاسفة العالم في سؤال، وتراكمت الاسئلة في اذهانهم من اجل البحث عن يقين جديد، جيد وعادل ومفيد. وهذه المرة ليس بالصورة المجردة، وانما بالمفاهيم والدلالات وليس بالقصص الاساطير وكذلك بالبحث والتقصي المتواصل في اشغال الفكر وتحويل المفاهيم الفلسفية والتأملات العقلية الى أدوات لفهم الواقع وتحليله وتفسيره. ومن الطبيعي ان تنهك الفلسفة نفسها في حب الحكمة وتتجاوز الأسئلة والتحليل والتفسير الى معرفة التناقضات وحل التناقضات غير المتعادلة منها والبحث فيما يعرض، وتركيب ما هو مجزء، وفهم العلاقة الشائكة والملتبسة التي تربط بين الاشياء وبينها وبين الطبيعة. وهذا يعني ان للانسان ارادة اخلاقية حرة تبحث وتفتش وتنبش وتفكك وتفسر لتجيب على التساؤلات المصيرية التي تبقى مدهشة ومحيرة وبدون جواب. فالفلاسفة لا يقفون مكتوفي الأيدي، كما يقول الفيلسوف الالماني توماس اشوير، وانما يبقون صامدين، يعالجون الدهشات والخيبات ويقحمون انفسهم فيما هو شائك وغامض ويمعنون النظر بالمفاهيم والمدلولات التي من الممكن ان تتغير وتتطور، لأن كل جواب يستفز سؤالا آخرا جديدا.. ان قلق الفكر ودهشته وحيرته هي أصل التأمل الفلسفي.



هذا الهدف من الفلسفة كما صرحنا به في البداية هو ما يمكنك أن تدرس أيّ شيء تحت اسم الفلسفة. ومن هنا تحيط الفلسفة بفروع مختلفة كفلسفة الدين، وفلسفة القانون، وفلسفة الاقتصاد، وفلسفة علم الأحياء، وفلسفة الفيزياء، وفلسفة الرياضيات، وفلسفة الحاسوب، وفلسفة علم النفس، وفلسفة الفنّ، وفلسفة الموسيقى، وفلسفة الأدب وهكذا. أيّ أن جميع هذه المواضيع يمكن أن تدرَس على نحو فلسفي، وذلك بقدر ما تسهم دراستها في تشكيل رؤية شاملة للعالم، حيث يوجه الفلاسفة جهدهم إلى ما يجمع تلك الفروع معا.






يقول توماس اشوير، ان الفلاسفة لا يتساءلون عن أولى الاسباب ولا عن آخرها، كما عند علماء اللاهوت، وانما يحاولون وضع حجج ويختارون مفاهيم ميتافيزيقية غيرصراعية. ولذلك لا يوجد في قاموس الفلسفة مقولة "صراع ميتافيزيقي"، وانما هناك دعوات متواضعة. فهم يقفون من الحقيقة بافكارهم ونصوصهم الفلسفية وحيدين على الشرفة، لا يثقون بأي عقل متعالي أعمى، وانما يتكلمون عن عطاء الحياة واستفزاز الموت، ولكن بشعور متسامي بالحقيقة غير المتشككة ويحاولون معالجتها افتراضيا وبتحفظ في اغلب الاحيان. وهذا يعني انهم لا يتجاهلون الالتباسات، وانما يحاولون وضع "العالم" على الطاولة و"يشرحونه". لقد اصبحت الفلسفة اليوم اكثر تعقيدا، وذلك بسبب الاشكاليات المستمرة التي جعلت مجالاتها اكثر ضيقا، حيث لم تعد الفلسفة تبحث في كل الاشياء، كما كانت، وانما تعَرف كل الاشياء، وفي ذات الوقت لا تعرف شيئا. ومن هنا ينشأ خلاف الفلاسفة مع علماء الطبيعة وكذلك مع "الرأي العام"، الذي ينظر اليهم بمنظار اسطوري حول كل ما هو اشكالي في الحياة. الفلسفة كانت وما تزال تلك المباديء التي تيَسر للعالم فهم الحياة. وهذا هو محور الخلاف والسجال، وبخاصة حول ابحاث الدماغ والأجنة والجينوم البشري، التي لا تستطيع ان تقدم لنا حججا واضحة وكافية حول ذلك، بالرغم من الاتهامات المجانية التي يطلقها البعض كنهاية الفلسفة وموت الفلسفة وغيرها، فالفلسفة هي قبل كل شيء وعي عقلاني تنويري نقدي بدأ مع أزمة العرفة، ولا تنتهي آلا بنهاية المعرفة. وهي، مع ذلك، لا تدعي امتلاك الحقيقة ولا ترفع دعوى الخلاص وهي وسيلة وليست غاية لذاتها وعليها ان تربط بين النظرية والممارسة العملية. أما هدفها فهو تحقيق الحرية والسعادة والأمن الداخلي للانسان، وهنا تكمن أهميتها.



No comments:

Post a Comment