Saturday 26 October 2013

ثورة الزنوج.. أول ثورة اجتماعية في عصر الخلافة الإسلامية




كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كل الثورات لحظاتٌ كبرى.. وأغلب
الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون معنى الثورة.. 
لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط ويستند إلى نظرية.. إنها ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد طغاة... حدث هذا منذ غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعةٌ مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل لم يترك صدى، ومنها ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس، في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا ب«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية»، المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق...










منذ عهد المتوكل العباسي (232 _ 247 ه‍ 847 _ 861م) غلبت سيطرة العسكر الأتراك، وقادتهم على أزمة الأمور في الدولة، واستأثروا بالعطاءات والاقطاعات، واستبدوا بسلطان الخلافة، حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يريدون، بل ويسجنون ويسمّون ويقتلون من لا يحقق مطامحهم ومطامعهم من الخلفاء.
ولقد حاول بعض الخلفاء أن يستردوا لمنصب الخلافة سلطانه، وأن يستندوا في معارضة القادة الأتراك الى تأييد شعبي بمهادنة العلويين الثوار واقامة قدر من العدل والانصاف بين الرعية.. حاول ذلك الخليفة المنتصر بالله (247 _ 248 ه‍ 861 _ 862م)، والمهتدي بالله ( 255 _ 256ه‍ 869 _ 870م) ولكن الأتراك تخلصوا منهما بالسم والعزل والقتل.
وعندما سدت سبل الاصلاح أمام الراغبين فيه أقبل الناس على الثورة، طريقاً لم يجدوا أمامهم سواه للتغيير، فكان أن قامت عدة حركات ثورية، يقودها ثوار علويون.






على أن أخطر الثورات التي شهدها العصر العباسي كانت هي الثورة التي قادها علي بن محمد (270 ه‍ 883 م)، والتي بدأت في البحرين سنة 249 ه‍ سنة 863 م، وهي التي اشتهرت باسم «ثورة الزنج». وكان قائد هذه الثورة -علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- شاعراً وعالماً، يمارس، في «سامراء» تعليم الخط والنحو والنجوم... وكان واحداً من المقربين إلى الخليفة المنتصر بالله. ولمّا قتل الأتراك المنتصر بالسم وعرّضوا حاشيته للسجن والنفي والاعتقال والاضطهاد، كان علي بن محمد ضمن المعتقلين.. ثم حدث تمرد من فرقة «الجند الشاكرية» في بغداد، شارك فيه العامة، حيث اقتحم المتمردون السجون فأطلقوا سراح من فيها، ومنهم علي بن محمد، الذي غادر بغداد إلى «سامراء» ومنها إلى البحرين، حيث دعا إلى الثورة ضد الدولة العباسية، الواقعة تحت سيطرة الجند الأتراك.




وكان قائد هذه الثورة _علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب _ شاعراً، وعالماً، يمارس، في "سامراء" تعليم الخط والنحو والنجوم... وكان واحداً من المقربين الى الخليفة المنتصر بالله. ولما قتل الأتراك المنتصر بالسم، ومارسوا السجن والنفي والاعتقال والاضطهاد لحاشيته، كان علي بن محمد ضمن المعتقلين.. ثم حدث تمرد من فرقة "الجند الشاكرية" ببغداد، شارك فيه العامة، واقتحم المتمردون السجون فأطلقوا سراح من فيها، ومنهم علي بن محمد، الذي غادر بغداد الى "سامراء" ومنها الى البحرين حيث دعا الى الثورة ضد الدولة العباسية الواقعة تحت سيطرة الجند الأتراك.

رغم اشتهار هذه الثورة ب»ثورة الزنج»، فإنها لم تكن ثورة عنصرية للزنج وحدهم ولم تقف أهدافها عند المطالبة بتحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم.. فقائد هذه الثورة عربي وعلوي -رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي- وأغلب قوادها كانوا عرباً كذلك، مثل علي بن أبان (المهلبي) وسليمان بن موسى الشعراوني وسليمان بن جامع وأحمد بن مهدي الجبائي ويحيى بن محمد البحراني ومحمد بن سمعان... إلخ.





وفي سنة 255 ه‍ (869 م) حدثت في البصرة فتنة بين طائفتين من جندها «الجند البلالية» و»الجند السعدية»، أسفرت ضمن ما أسفرت عنه عن إطلاق سراح السجناء، ومنهم أنصار علي بن محمد، فغادر بغداد، ووصل إلى ضواحي البصرة ليواصل ثورته من جديد‍.. وفي هذا التاريخ، بدأ أول انعطاف للثورة نحو الزنج، أي بعد قرابة سبع سنوات من قيامها‍..
كانت البصرة أهمَّ المدن في جنوب  العراق، وكان جنوب العراق مشحونة بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابّها ويقومون بكسح السباخ والأملاح الناشئين من مياه الخليج، تنقية للأرض وتطهيراً لها، كي تصبح صالحة ومعدة للزراعة، وكانوا يقومون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسية وغير إنسانية، تحت إشراف وكلاء غلاظ قساة، ولحساب ملاك الأرض من أشراف العرب ودهاقنة الفرس.. وكان بعض هؤلاء العبيد مجلوبين من إفريقيا السوداء -وهم الزنج- وبعضهم نوبيون، وآخرون قرماطيون، أما فقراء العرب فكانوا يسمون الفراتين.



وأخذ علي بن محمد ينتقل، مع قادة ثورته، بين مواقع عمل الرقيق والفراتين، ويدعوهم الى الثورة والهرب الى معسكره وترك الخضوع لسادتهم، فاستجابت لدعوته جماهير غفيرة من الزنج والنوبة والقرماطيين والفراتيين، وانضموا الى العرب والأعراب الذين تبعوه من جنوبي العراق... ولقد فشل وكلاء الزنوج في الحيلولة بينهم وبين الالتحاق بمعسكر الثائرين، فكانوا يحبسونهم في البيوت ويسدون أبوابها ومنافذها بالطين؟‍! ويصف ابن خلدون اقبال الزنج على الثورة، وزحفهم للقاء قائدها فيقول: "لقد تسايل اليه الزنج واتبعوه".


وقد أعلن علي بن محمد أن هدفه، بالنسبة إلى الزنج والعرب الفقراء، الذين يعملون في إصلاح أرض العراق الي جنوب  هو تحرير الرقيق من العبودية وتحويلهم إلى سادة لأنفسهم، وإعطاؤهم حق امتلاك الأموال والضياع.. بل ومنّاهم بامتلاك سادة الأمس الذين كانوا يسترقونهم، وضمان المساواة التامة لهم في ثورته ودولته التي تعمل من أجل:
نظام اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة.
ونظام سياسي يرفض الخلافة الوراثية لبني العباس، والتي أصبحت أسيرة بيد قادة الجند الأتراك.. ويقدم بدلاً منها دولة الثورة، التي أصبح فيها علي بن محمد أمير للمؤمنين.










في عشرات المعارك التي وقعت بين الدولة العباسية وبين ثورة الزنج، كان النصر، غالباً، للثورة على الدولة.. وتأسست، كثمرة لهذه الانتصارات، للثورة دولة، قامت فيها سلطتها، وطبقت بها أهدافها، ونفذ فيها سلطان علي بن محمد.. ولقد بلغت دولة الثورة هذه درجة من القوة فاقت بها كل ما عرفته الخلافة العباسية قبلها من أخطار وثورات.. والمؤرخون الذين كانت الدنيا عندهم هي الامبراطورية العباسية، قالوا: ان الزنج قد "اقتسموا الدنيا!.. واجتمع اليهم من الناس ما لا ينتهي العد والحصر اليه!" وكان عمال الدولة الثائرة يجمعون لعلي بن محمد الخراج "على عادة السلطان!" حتى لقد "خيف على ملك بني العباس أن يذهب وينقرض!".
ولقد أقام الثوار لدولتهم عاصمة، سموها (المختارة)، أنشأوها انشاء في منطقة تتخللها فروع الأنهار.. كما أنشأوا عدة مدن أخرى _وضمت دولتهم مدناً وقرى ومناطق كثيرة، مثل: البحرين.. والبصرة.. والأبلة.. والأهواز.. والقادسية.. وواسط.. وجنبلاء.. وباذاورد.. والنعمانية.. والمنصورة.. وجرجرايا.. وجبل.. ورامهرمز.. والمنيعة.. والمذار.. وتستر.. والبطيحة.. وخوزستان.. وعبادان.. وأغلب سواد العراق.
***
ولقد استمرت الحرب بين دولة الثورة هذه وبين الخلافة العباسية لأكثر من عشرين عاماً _بلغ العنف فيها، من الجانبين، حداً لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصف مليون قتيل!
ولقد ألقت الخلافة العباسية بكل ثقلها في المعركة ضد الثورة، وكرست كل امكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفة المعتمد (256 _ 279 ه‍ _ 870 _ 892 م)، بالقيادة الى أخيه الموفق، تحول قائد الجيش الى خليفة حقيقي، وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار، والتي سماها (الموفقية)، الى العاصمة الحقيقية للدولة، يأتي الى بيت مالها كل خراج البلاد، وتصدر منها الأوامر الى كل الولاة والعمال بأن يقدموا للجيش كل ما لديهم من امكانيات، حتى لقد حاول "المعتمد" الفرار من سامراء الى مصر، فألقوا القبض عليه وأعادوه الى قصر الخلافة شبه سجين!..
ولقد رجحت كفة الجيش العباسي بما احتشد له من فرسان وسفن وعتاد.. فأحرز عدداً من الانتصارات على جيش الزنج، وبدأ حصاراً لعاصمتهم استمر أربع سنوات!.. وكانت مصر قد استقلت عن الخلافة تحت حكم أحمد بن طولون (220 _ 270ه‍ 835 _ 884م) وكان لها جيش قوي بالشام يقوده لؤلؤ، غلام ابن طولون، فخان سيده وانضم الى جيش الدولة المحتشد لقتال الثوار، وعند ذلك تمكن الموفق من اقتحام (المختارة) وهزيمة الثورة، التي بدأت سنة 249 ه‍ وظلت قائمة تقاوم حتى أول صفر سنة 270 ه‍ (10 أغسطس سنة 883م).. فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها..



1 comment:

  1. Stainless Steel Spades | TITanium-arts
    Stainless Steel Spades | TITanium-arts.com Stainless Steel Spades titanium ore | TITanium-arts.com titanium trimmer Stainless titanium tent stakes Steel Spades | TITanium-arts.com 오래된 토토 사이트 Stainless Steel Spades. titanium trim

    ReplyDelete