Tuesday 26 November 2013

المعنى الصحيح لـ الليبرالية والعلمانية .

"الليبرالية: مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي".

"جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد".


الدولة العلمانية تحترم كل الأفكار والمعتقدات سواء معتقدات دينية أو فلسفية..إلخ على شريطة ألا يكون الحكم قائم على أساس معتقد دون آخر و ألا يفرض صاحب أي معتقد معتقده على الآخرين، فكل إنسان له حريته في تشكيل وإختيار أفكاره ومعتقداته فلا أحد يملك الحق في الحجر على حرية الآخرين أو أذى الآخرين..
فحرية الفكر والإبداع هي أبسط حقوق الإنسان كحيوان مفكر!
فإذا قامت الدولة على أساس معتقد ما دون الآخر فهي سوف تهمش باقي الآراء والأفكار أو ستجبرهم على إعتناق هذا الفكر أو ستقمع أي فكر مخالف ...إلخ كما نرى في كثير من الدول التي تقوم على أساس عقيدة ما أو إيديولجية ما ففي كلتا الأحوال ستكون الدولة قائمة على أساس عنصري وستزعم إمتلاكها للحقيقة المطلقة ومن يخالفها مخطئ وستقوم الدولة بقولبة الأفراد بالفكر الذي تريده فلا مجال للتفكير وحرية الإختيار!
ولنا في العصور الوسطى الأوروبية خير دليل على أن رجال الدين لا يصلحوا للعمل السياسي وأيضاً إنهيار الدولة الإسلامية دليل آخر..
ففي الدولة التي تقوم على أساس عقيدة ما لا نجد فيها الصراعات بين عقيدة الدولة والعقائد الآخرى بل نجد إنشقاقات وحروب بين أطراف ينتمون لنفس العقيدة ولكل منهم
إتجاه فكري مختلف في فهم هذه العقيدة ولأنهم لا يوجد في قاموسهم سوى لونين "الأبيض والأسود" فلا يوجد مكان لألوان آخرى وإما أن يسود اللون الأبيض إما الأسود!!

الدولة العلمانية تقوم على مبدأ الإختلاف أن الجميع مختلفون وأن الإشكالية ليست في من هو على حق ومن هو على باطل إنما الإشكالية هي في كيفية التعايش بين المختلفين وقبول الإختلاف وإحترامه، فكل إنسان حر حرية كاملة في إسلوب تفكيره وإختياراته وفي تعبيره عن آرائه فحرية الرأي لا تعني أن يحتفظ الفرد برأيه لنفسه ولكنها تعني حرية التعبير عن هذا الرأي دون أن يتعرض له أي شخص بالأذى لمجرد أنه مختلف معه في الرأي! أقول هذا لأنني أسمع من البعض جمل مثل "إن كان هذا رأيك فعليك الإحتفاظ به لنفسك" !! فكل فرد يريد أن يسمع للرأي الموالي له فقط!

ومن المؤسف أن من يريد سماع الآراء الموالية له فقط هو من يتحدث عن الديمقراطية كحق من حقوقه!! الديمقراطية أن تكن ديمقراطي في حياتك قبل أن تطالب بها في الحياة السياسية!
فالدولة العلمانية إذاً تضع القواعد والتشريعات التي تناسب الجميع أياً كان شكل الإختلاف بين أفراد هذه الدولة إختلاف عرقي عقيدي فكري سياسي ديني جنسي...إلخ فالهدف هو جعل كل هؤلاء يتعايش مع الآخر ويتقبله ويتقبل وجود آلوان آخرى لا نهاية لها ووضع قوانين تحمي كل هؤلاء الأفراد تحمي حق الإختلاف! فهي لا تسعى لقولبة أفراد الدولة في قالب عقيدي أو فكري موحد وهو فكر الدولة.. فالإختلاف هو أساس الحياة الديمقراطية..
وأياً كانت توجهات رئيس الدولة أو الحكومة أو توجهات الحكومة عامة فهي لا تستطيع فرض هذه التوجهات على أفراد المجتمع فالشخص الذي يتقلد منصب سياسي أو الحكم هو مقيد يقوانين وتشريعات وضعت من أجل حماية حقوق وحريات الجميع وليس من أجل حماية كرسي سيادته أو توجهاته..

إذاً الدولة التي تقوم على أساس قوانين وضعية هي دولة علمانية والمدنية هي علمانية أيضاً وأي توجه فكري ليس له أساس كهنوتي هو توجه علماني أياً كانت المسميات إشتراكية يسارية شيوعية، ليبرالية رأسمالية إلى آخره..

أما عن التساؤلات حول معنى الليبرالية فكلمة ليبرالي "liberal" مشتقة من كلمة "liber" اللاتينية والتي تعني حر والمصطلح يشير إلى معاني مثل التحرر والديمقراطية أو الأفراد الأحرار..إلخ وإصطلاح الليبرالية نفسه "liberalism" يشير إلى توجه فكري أو سياسي أو إقتصادي يقوم على أساس الحرية، فالحرية هي القيمة الأسمى في هذه الإيديولوجية..
فالليبرالية تهدف إلى وضع قيود على سلطات الهيئة الحاكمة وإحترام كل الحريات الفردية والفكرية وسيادة القانون.. فالأفراد في المجتمع الحر أو الليبرالي السيادة للقانون الذي يحمي حرية وحقوق كل فرد فالأفراد في المجتمع يحترمون القانون ولا يخضعون لسلطة أي فرد من أفراد الهيئة الحاكمة..
إذا هناك ثلاث مبادئ نستخلصها السيادة للقانون، الحرية للجميع، تقييد نفوذ الهيئة الحاكمة.. وهذا يعني تقييد فرصة أن تطغى الحكومة أو أن تقمع حريات الأفراد أو أن تفرض حكم ديكتاتوري فردي أو أن تتعدى على حرية أو حقوق أي فرد فالسيادة هنا ليست لها وإنما للقانون.. وهذا القانون الذي تم تشريعه من أجل حماية حقوق وحريات الأفراد..

فأساس الإيديولجية الليبرالية هو الحرية فهي شئ مقدس وحق طبيعي لكل إنسان و أي محاولة لسلب الإنسان حريته فهي غير مقبولة فكل إنسان حر مادام لا يتسبب في ضرر أو أذى الآخرين..

بالنسبة للرأي القائل أن الليبرالية أن تترك لأبنائك حرية إختيار عقيدتهم فأرد عليه بأن الإنسان فعلاً حر في إختيار عقيدته وأفكاره ولا أحد يملك الحق في التحكم فيه فأبنائك ليسوا ملكك وليسوا عبيد لديك لتتحكم في إختياراتهم.. وبما أن صاحب هذا الرأي كان ينتمي للدين الإسلامي سأذكر نصوص دينية تدل على أن حرية الإعتقاد ليست في الليبرالية فقط.. "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256) "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 29) "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون 6 ).. وكما أن في العقيدة الإسلامية عقاب وثواب فهذا العقاب والثواب نابع من وجود مسؤولية كل فرد عن إختياراته وهذه المسؤولية لن تأتي بدون وجود حرية سابقة عليها..
فإذا فرض على الإنسان شئ أو فكر أو تصرف أو عقيدة ما فهنا ينفى عنه صفة حرية الإختيار فتسقط المسؤلية إذا فكيف يكون هُناك ثواب وعقاب إن كان الفرد لم يختر شئ! وعلى هذا فكان من الواجب لكي يختار هذا الفرد ليس فقط أن تتوفر له الحرية بل عليه إعمال عقله والوصول لإختياراته بإعمال عقله والتفكير لأنه إذا أخذ فكر مُعلب دون أن يفككه أو يفهمه ويفهم غيره من الأفكار بعد تفكيكها ففي هذه الحالة أيضاً سوف تسقط عنه حرية الإختيار ومن ثم المسؤولية ومن ثم الثواب والعقاب..
لذا تجد أغلب النصوص الواردة في القرآن تؤكد على إعمال العقل مثل "أفلا تعقلون، يا أولي الألباب، ..." لأن لو كان إختيار الإنسان وراثى أو بالتلقين بدون إعمال عقل فسوف تسقط عنه مسؤولية حرية الإختيار ومن ثم الثواب والعقاب..!

وإستكمالاً لردي لمن قال أن الليبرالية تنحية الدين والتجرد من الملابس.. أقول لك إن الدين هو مسألة شخصية تخص كل فرد وحده وليست مسألة جماعية فمن ينحي الدين من حياته هو حر ومن لا ينحيه من حياته هو أيضاً حر فلن يأتي أحد ليفرض على الأخير أن ينحي الدين عن حياته أو يأتي آخر للأول ليفرض عليه ألا ينحيه وهذا أيضاً نابع من حرية الإختيار التي هي حق لكل فرد فكل إنسان حر في إختياراته ومسؤول أيضاً عنها والأهم في كل هذا أنه لا يضر أحد ولا يتسبب في الأذى لأحد..
أو كما يقول أحد الأمثال "أنت حر ما لم تضر" أما عن التجرد من الملابس فهو حر أيضاً وهل الدين في رأيك هو الذي جعلك ترتدي ملابس! إذا الذكور الذين يسبحون في الترع في أرياف مصر بدون ملابس هم لادينيين!!

بالنسبة لرسائل السب والتحرشات الجنسية فهذا نابع أولاً من ثقافة الإقصاء وعدم قبول الآخر رغم أنه لا يعرف معنى العلمانية أو الليبرالية لو عرف المعنيان لأدرك أن العلمانية تسعى لحماية حقه هو الآخر في حرية الإعتقاد والتعبير وإحترام فكره..
ثانياً المشكلة أن الغالبية يأخذ مفاهيم مغلوطة وغير موضوعية ويقتنع كل الإقتناع بتلك المفاهيم دون أن يكلف نفسه ويسأل أو يبحث
ثالثاً من يقول أن الليبراليين يكرهون المسلمين! الليبرالية ليس في عداء مع أي فكر أو معتقد وإنما هي في عداء مع الفكر الإقصائي وعدم قبول الإختلاف وعدم إحترام الآخر وفكره، وهذا لا علاقة له بأي معتقد فكل إنسان حر في إختيار معتقده مادام لا يفرضه على الآخرين، فأين الكراهية إذاً في فكر يريد أن يوفر لك الحرية في إختيار معتقدك أياً كان!! فكونك ليبرالي هذا لا يتنافي مع كونك مسيحي أو يهودي أو مسلم أو ماجوسي!
رابعاً من سأل من أين ظهر العلمانيون يا عزيزي العلماني ليس كائن فضاء هبط عليك مؤخراً فالعلمانية نشأت منذ إنتهاء العصور الوسطى الأوربية أو عصور الظلام!

خامساً التحرشات الجنسية والتي سببها في رأيي نظرة هؤلاء إلى أن التحرر والعلمانية هي الحرية الجنسية وهذا ليس بغريب عليهم لأن المجتمع أصبح لا يرى من الأشياء إلا الجانب الجنسي كرد فعل لقمعهم وإزدواجيتهم وتشتتهم والخطاب الديني الذي لا يتحدث إلا في الجنس وفيما ترتدي النساء وفي أن المرأة عورة وسبب هوسهم الجنسي
والحيقية أن هذه الإشكالية سأذكر عنها مثال لتوضيحها "عندما يأتي شخص يمنع الطعام عن الناس ويقول لهم أنه رذيلة وشئ حقير وعليك الحصول على تصريح ما لكي تأكل وذلك على الرغم أن هذا الشئ هو حقير، في هذه الحالة لن يفكر الناس إلا في الأكل ليس فقط لأنه عملية بيولوجية ولكن أيضاً لأن الممنوع مرغوب وسوف يظهر من يحتقر الأكل لأنه يسبب له الإحساس بالجوع وسيكون الفكر الشائع في هذه الحالة عن الحرية هي الحرية في تناول الطعام"!!

وأخيراً من يقول أن العلمانية تؤدي لإنتشار المثلية الجنسية في الحقيقة إن وجود المثلية في المجتمع العلماني نابع من حرية إختيار كاملة أما في المجتمعات القمعية ولاسيما الدينية نابع من الكبت والقمع وأيضاً الإعتداء على الأطفال جنسياً كظاهرة منتشرة في المجتمعات القمعية..
غير أن القمع هذا لن يسفر إلا عن خلق أفراد ليسوا أسوياء وسيجعل المجتمع لا يفكر إلا في الأشياء الممنوعة عنه وبالتالي لن يستطيع اللحاق بركب الحضارة!
وسيظل منشغل بقضايا لا معنى لها !


وقد تقدم أن الليبرالي مذهب قضيته الإنسان، وعلى ذلك فكل المذاهب التي اختصت بهذا القضية كان لها إسهام واضح في تقرير مبادئ الليبرالية:
-   فالعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، كما تعني فصل الدين عن النشاط البشري بعامة، وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والفكرية، بل لاتكون الدولة ليبرالية إلا حيث تكون العلمانية، ولاتكون علمانية إلا حيث تكون الليبرالية.
-   والعقلانية تعني الاستغناء عن كل مصدر في الوصول إلى الحقيقة، إلا عن العقل الإنساني، وإخضاع كل شيء لحكم العقل، لإثباته أو نفيه، أو معرفة خصائصه ومنافعه، والعقل المحكّم هنا هو عقل الإنسان، وهكذا تقوم الليبرالية على مبدأ أن العقل الإنساني بلغ من النضج العقلي قدرا يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية، دون وصاية خارجية!!
-       والإنسانية تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد، والثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وتقرر التمرد على سلطان الكنيسة.
-       والنفعية تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق السعادة لأكبر عدد من الناس.
وهكذا فكل هذه المذاهب وغيرها كان لها نصيب في صياغة المذهب الليبرالي، وهذه نتيجة طبيعية لمشكلة كان يعانيها كل المفكرين على اختلاف توجهاتهم، هي: انتهاك حقوق الإنسان في أوروبا.



1 comment: