Saturday 23 November 2013

الاحزاب السياسية


تعتبر الأحزاب إحدى الظواهر الاساسية في الحياة السياسية ولاسيما  في الأنظمة الديمقراطية التعددية  وذلك لما تقوم به من تنافس على السلطة والبرلمانات  وتجسيداً لمبدأ المشاركة السياسية إضافة إلى التعبير عن إرادة المجتمع
بكافة أطيافه ومصالحه، وانطلاقا من هذه ألأهمية  في الحياة السياسية فإننا سنحاول البحث  في مفهوم الحزب السياسي وما تضطلع به ألأحزاب  من وظائف عديدة

أولاً - مفهوم الحزب السياسي وأهم مكوناته
لعل من الصعوبة البالغة  أن يتمكن الباحث من  ظاهرة مركبة تتسم بالشمولية والتعقيد مثل ظاهرة الحزب السياسي وربما يرجع ذلك لاختلاف  العقيدة والآراء والخلفية الإيديولوجية للكُتَّاب والباحثين الذين تصدوا لتحديد هذا المفهوم غير أن ذلك لن يمنعنا من محاولة مقاربة هذا الموضوع من خلال التمييز بين اتجاهين أساسيين وسرد مجموعة من التعريفات قُدِّمت للحزب السياسي.
أ- الاتجاه الأول :
يمثله الفكر الماركسي الذي يرى أن الحزب السياسي ما هو إلا تجسيد  سياسي لطبقة ما وبالتالي لا وجود لحزب سياسي دون أساس طبقي حسب المفهوم الماركسي وهذا استبعاد واضح من فضاء الحزبية للأحزاب الأخرى التي لا تقوم على أساس طبقي
ب – الاتجاه الثاني :
يتبناه الأدب السياسي البرجوازي ويركز هذا الاتجاه على المبادئ ودرجة التزام الوضوح والتحديد في صياغتها
وإذا انتقلنا إلى مفهوم الحزب السياسي لدى المفكرين والباحثين نجد أن دزرائلي يرى أن الحزب السياسي "مجموعة من الأفراد يجمعهم الإيمان والالتزام بفكر معين

غير أن هذا الاتجاه يغفل حقيقة إمكانية وجود حزبين أو أكثر يتقاسمان نفس المبادئ والأهداف داخل الدولة نفسها.
أما هارولد لاسويل "فيرى أن الحزب" تنظيم يقدم مرشحين باسمه في الانتخابات
وقريباً من هذا التعريف نرى شلزنجر يحدد مفهوم الحزب في مظهر واحد من مظاهره وهو هدف الوصول للسلطة ويعتبره تنظيماً يسعى للوصول إلى السلطة في الأنظمة الديمقراطية وكأن هذا التعريف يستبعد من معنى الحزبية كل الأحزاب التي لاتوجد في الدول الديموقراطية، لذلك نجد جيمس كولمان يوسع من دائرة مفهومه للحزب السياسي لتنطبق على كل الأنظمة السياسية إن الحزب " له صفة التنظيم الرسمي هدفه الصريح والمعلن هو الوصول إلى الحكم إما منفرداً أو مؤتلفاً مع أحزاب أخرى"
ولا يبتعد جوزيف لا بالومبارا في تعريف للحزب السياسي عن التعريفات السابقة مع بعض الإضافات فالحزب في نظره " تنظيم رسمي هدفه وضع وتنفيذ السياسات العامة


في حين أن ماكس فيبر يقول إن: " اصطلاح الحزب يستخدم للدلالة على علاقات اجتماعية تنظيمية تقوم على أساس من الانتماء الحر والهدف هو إعطاء رؤساء الأحزاب سلطة داخل الجماعة التنظيمية من أجل تحقيق هدف معين أو الحصول على مزايا عادية للأعضاء " وبأسلوب لا يخلو من البساطة والتفصيل يعبر  جورج بوردو عن تعريفه للحزب بأنه: " تنظيم يضم  مجموعة من الأفراد بنفس الرؤية السياسية وتعمل على وضع أفكارها ما موضوع التنفيذ وذلك بالعمل في آن واحد على ضم أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى صفوفهم وعلى تولى الحكم أو على الأقل التأثير على قرارات السلطات الحاكمة
وهناك من يرى أن الحزب  " تنظيم سياسي له صفة العمومية والدوام وله برنامج يسعى بمقتضاه الوصول إلى السلطة
وقد عرف دكتور
سمير عبد الرحمن الشمري في مفهومه للحزب استطاع الجمع بين العديد من خصائص الحزب السياسي وبالتالي اقترب من التوفيق بين التعاريف السابقة، فالحزب كما عرفه هو: " جماعة اجتماعية تطوعية واعية ومنظمه ومتميزة من حيث الوعي السياسي والسلوك الاجتماعي المنظم ومن حيث الطموحات والآمال المستقبلية ولها غايات قريبة وبعيدة تهدف هذه الجماعة إلى الاستيلاء على السلطة (إذا كانت في المعارضة وإلى تغير سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحياتي يتساوق مع قناعتها واتجاهاتها).
والحزب يمثل شريحة اجتماعية في المجتمع أو كتل اجتماعية متناغمة ويدافع عن مصالح الكتل الاجتماعية التي يمثلها ويجاهد من أجل انتصار أهدافه وغاياته التي يصبو إليها وكل حزب من الأحزاب السياسية له مبادئ تنظيمية وفكرية واجتماعية وله قوانينه الداخلية يحتكم إليها (النظام الداخلي) وله برنامج محدد يبسط فيه هويته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية"

تلك أهم التعاريف التي قدمها الباحثون والمفكرون في محاولة منهم لضبط مفهوم الحزب السياسي وتحديد مدلوله الإجرائي وقد لاحظنا مدى التمايز بل والتناقض أحياناً بينها إلا أن ذلك لا يمنعنا من محاولة رصد بعض القواسم المشتركة بين تلك المفاهيم إن وجدت :
أ‌-  توفر رؤية سياسية موحدة أي وجود ايدولوجيا مشتركة تترجم عادة في برنامج الحزب السياسي الذي يعرض على المواطنين لاختياره عبر الانتخابات
ب‌- وجود تنظيم يتمتع بالعمومية والاستمرار على أن يمتد التنظيم إلى المستوى المحلي مع وجود اتصالات منظمة داخلية وبين الوحدات المحلية والقومية
ج- اهتمام الحزب السياسي بالتأييد الشعبي واستقطاب الأنصار سيما في أوقات الحملات الانتخابية والتصويت والتظاهرات الهامة.
د- السعي الحثيث للوصول للسلطة أو المشاركة فيها عبر إقامة التحالفات في محاولة التأثير على قرارات وأولويات السلطة الحاكمة من خلال وجود الحزب في صف المعارضة.
 وبعد أن اقتربنا من رصد بعض الملامح العامة لمفهوم الحزب السياسي فإننا نجد من الضروري إلقاء نظرة سريعة على ظروف ونشأة هذه الظاهرة السياسية التي يتزايد حضورها السياسي ومحوريتها في الأنظمة السياسية يوماً بعد يوم فبالرغم أن كلمة (أحزاب) قديمة وطالما أطلقت على الزمر التي كانت تحيط بالقادة في إيطاليا إبان عصر النهضة إضافة إلى استخدامها للدلالة على النوادي واللجان الانتخابية والتنظيمات الشعبية والكتل البرلمانية والتجمعات الطائفية أو المذهبية أو الإقليمية وغير ذلك.
إلا أن أغلب المختصين وعلى رأسهم العالم الفرنسي موريس دوفرجيه يؤكدون أن المعنى الصحيح للحزب السياسي كما نعرفه اليوم لا يعود لأكثر من حوالي قرن ونصف من الزمن أي حتى عام/1850/ ولم يكن هناك وجود لأحزاب سياسية في أي بلد من العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية أما العام/1950/ فقد شهد بداية تسرب هذه الظاهرة إلى الشعوب والأمم الأخرى واليوم توجد الأحزاب وتنتشر في كل مكان من العالم.


  ولكن ما هي الأسباب الحقيقية وراء نشوء هذه الظاهرة سياسية .
 يشير موريس دوفرجيه إلى أن نمو الأحزاب السياسية ارتبط تاريخياً بنمو وتطور الديموقراطية واتساع مفهوم الاقتراع العام الشعبي ليشمل كافة الطبقات وإلغاء القيود المالية التي ارتبطت به في السابق وهناك أصلين أساسين لنشوء الأحزاب السياسية
أ‌-   الأصل الانتخابي البرلماني ( أحزاب داخلية النشأة ) نشأت من خلال الاتصال بين الكتل البرلمانية واللجان الانتخابية وقد أدى استمرار هذا الاتصال والتفاعل إلى ظهور الأحزاب السياسية.
ب‌-  الأصل غير الانتخابي أو البرلماني  أحزاب خارجية النشأة 
ظهور هذا النوع من الأحزاب  بقيام مجموعة من الجمعيات والنقابات والاتحادات التي قامت بتأسيسها.
وتختلف الأحزاب من حيث طبيعتها العضوية ونستطيع هنا التمييز بين نوعين 

-  أحزاب الكوادر أو الصفوة: تضم في الغالب أبناء الطبقات البرجوازية ولا تبدي اهتماماً بالجماهير لأنها تهتم بفئة قليلة معينة وتعتمد أحزاب النخبة على الثروة والمكانة الاجتماعية المرموقة لأعضائها وتتسم بنوع من الهشاشة الداخلية والتزام الأعضاء بمبادئها وترى هذه النخب أنها تمتلك من الخبرة والقدرة على إدارة الحملات الانتخابية ما يمكنها من كسب الأصوات وإيصال المرشحين إلى كراسي الحكم.
-  أحزاب الجماهير: تستقطب الجماهير لتحقيق غايات سياسية واجتماعية ومالية بغية تثقيف الجماهير وتوعيتها سياسياً وإعداد نخبة منها لتولي المناصب السياسية والإدارية في الحزب والدولة إضافة إلى المورد المالي الذي يحصل عليه الحزب من تسديد اشتراكات المنتسبين ويندرج في هذا الإطار الأحزاب الشيوعية والقومية والدينية.
" وفيما يتعلق بأنماط النظم الحزبية شاع في أدبيات السياسة تمييز بين نظام الحزب الواحد ونظام الحزبين ونظام تعدد الأحزاب.


ولما كان هذا تقسيم  يعتد بعدد الأحزاب ويتجاهل بالتالي الاختلافات على صعيد كل نظام حزبي من حيث النشأة والأساس الاجتماعي والفكري ومدى تناوب أكثر من حزب على السلطة طرح مجموعة  من علماء السياسة معيار التنافس الحزبي للتفرقة بين نظم حزبية تنافسية ونظم حزبية غير تنافسية الأولى يميزها تنافس أكثر من حزب على السلطة ويدخل فيها نظام الحزبين ونظام  تعدد الأحزاب وفي الثانية يحتكر السلطة حزب سياسي معين ويقع تحت مظلتها نظام الحزب الواحد في الدول الشيوعية ونظام الحزب الواحد في بلدان العالم الثالث ونظام الحزب المسيطر  تعدد الأحزاب مع احتكار أحدها للسلطة في فترة طويلة من الزمن
ونظام الحزب القائد وهو وجود تحالف حزبي تكون القيادة فيه لحزب معين
أما مكونات الحزب السياسي فبين موريس د فرجيه أنه بالرغم من أن لكل حزب تركيبته الخاصة التي لا تشبه في شيء تركيب الأحزاب الأخرى.
إلا أنه يوجد عناصر تمثل أهم مكونات الأحزاب السياسية:  اللجنة ’ الشعبة  ’ الخلية
ويمكن أن نضيف إلى مكونات الحزب السياسي ما يلي :
       اسم وشعار خاص للحزب يميزه عن بقية الأحزاب.
       عنوان رئيسي ومقرات فرعية.
        مجموعة من الأهداف يسعى الحزب لتحقيقها.
        قائمة بشروط الانتساب للحزب.
مالية عامة للحزب وإجراءات صرفها.
       
الهيكلية التنظيمية للحزب السياسي تعني
مجموعة القوانين والأنظمة واللوائح التي تنظم العلاقة الداخلية بين مختلف الأعضاء والهيئات والمستويات الحزبية مع بعضهم البعض
ويعكس هذا البناء التنظيمي نفسه على العلاقات الخارجية لهذا الحزب. وقد تلعب الأيديولوجية والعقيدة التي يتبناها الحزب دورا في التأثير على البنية التنظيمية للحزب.

يمكن تصنيف ألبنى التنظيمية المعروفة حتى الآن في الأحزاب السياسية إلى التالية
 الهيكلية التنظيمية المرنة: وهي الأحزاب التي تعتمد في بنائها على اللامركزية، حيث تقوم العلاقة بين الهيئات والمستويات على اللامركزية، وهي علاقة مرنة تعطي الفروع المختلفة وقياداتها نوعا من المرونة في اتخاذ القرارات، وسلطة القيادة العليا لهذا النوع من الأحزاب تكون محدودة، مقابل سلطات وصلاحيات أوسع للهيئات والفروع المختلفة في الحزب.

 الهيكلية التنظيمية المتماسكة ( المركزية ): وهذا النوع من الأحزاب يتميز بعلاقة اكثر قوة بين مختلف المستويات والهيئات الحزبية، وتكون صلاحية اتخاذ القرارات بيد القيادات العليا في الحزب. ومن الممكن في هذا النوع من الأحزاب تصنيف المركزية إلى نوعين:

الأول: وتسمى بالمركزية الاوتوقراطية، وهذا النوع يناسب الأحزاب الفاشية، حيث تتجمع في يد القيادة العليا للحزب معظم صلاحيات وسلطات اتخاذ القرار.
الثاني: ويسمى المركزية الديمقراطية وهو يقوم على علاقة متداخلة بين الهيئات المختلفة للحزب، وتكون أيضا بيد القيادة العليا للحزب صلاحيات واسعة في اتخاذ القرار، ولكن وفق تسلسل هرمي متصاعد.


  وظائف الأحزاب السياسية:
نظراً للمكانة المهمة و المحورية للأحزاب في الأنظمة السياسية وارتباطها العميق بمفهوم الديموقراطية والمشاركة السياسية حتى أن البعض يقول إن الأحزاب عماد الديمقراطية والعداء للأحزاب يخفي العداء للديمقراطية نفسها فإن الأحزاب السياسية أصبحت تضطلع بأدوار بالغة الأهمية داخل المجتمعات وخاصة أنظمتها السياسية غير أن هناك من يحلو له التمييز بين وظائف الأحزاب وفقاً لطبيعة النظام السياسي السائد (ديموقراطي أو شمولي)، وفي هذا الإطار ربما يمكن التفريق بين وظائف الأحزاب الحاكمة ووظائف الأحزاب خارج السلطة (المعارضة)، كما يتحدث البعض عن وظائف خاصة للأحزاب في البلدان النامية.
لكننا لن نتوقف كثيراً عند هذه التقسيمات مع الإشارة إلى تلك الفوارق الوظيفية والتقسيمات إن وجدت ولهذا سيتم التركيز على أهم الوظائف التي تضطلع بها الأحزاب السياسية               بشكل عام.
يقدم (سيجمو نيومان) أربع مهام رئيسيه للأحزاب السياسية سواء كانت ديموقراطية أو شمولية تنظم الإرادة السياسة للشعب والتسويق لمبادئ الحزب.
    إدماج المواطن في الحزب وتعليمه الالتزام السياسي
 ممارسة الحزب دور الوسيط أو همزة الوصل بين الرأي العام والحكومة.
 اختيار القادة لانتخابهم من قبل الشعب الأمر الذي يستدعي مستوى من الوعي لدى المواطنين لضمان الاختيار الصحيح ويرى نيومان أن: " الديموقراطية يمكن أن تواجه أزمة شديدة في حال فشل الأحزاب من ممارسة هذه المهام مما يهيئ المناخ لصعود الحركات الراديكالية التي يصبح هدفها النضال من أجل نظام سياسي جديد"
أما ديفيد أبتر فيميز بين وظائف الأحزاب السياسية وفق طبيعة النظام السياسي الذي تتواجد فيه (ديموقراطي أو تولوتاري) ففي النظام الديمقراطية يبين أن الحزب يلعب ثلاث وظائف أساسية
        مراقبة السلطة التنفيذية.
        تمثيل المصالح.
        استقطاب المرشحين والأعضاء

أما في الأنظمة الشمولية فللأحزاب وظيفتين
       الحفاظ على صلابة وتضامن مجموعاته.
        دور الإشراف والإدارةلوعي السياسي وبالتالي تكوين رأي عام أكثر فاعلية في 
البلد.



No comments:

Post a Comment